فصل: باب ما جاء عن ابن عباس رحمه الله تعالى في ذكر جزيرة العرب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صفة جزيرة العرب (نسخة منقحة)



.معرفة ما انفرد به عطارد في هذه القسمة:

ولما كان جملة تدبير أرباع العامرة من الأرض للثلاثة العلوية والزهرة من كواكب السلفية، ولم يدخل النيّران وعطارد فيها إلا بما اشتركتهما بيوتهما من المثلثات، فاستولت بأكثر طباعها على ثلاثة مواضع من العامر، فاستولت الشمس على المشرق، فعمرت طباع زحل والمشتري فيه فأتت فيه بالملك الدائم والجبرية وطول المدد وإعلان الأشياء وبهائها وإظهار السر، واستولى القمر على المغرب بملاءمته لطباعه فعمر فيه طباع الزهرة والمريخ، فأظهر التأله ودفن الموتى وكتمان الأسرار وإخفاء كثير من الأشياء والوحي والنبوة والكتب والتنزيل والحدود والملك والمرِّيخ من بعضها لبعض على نحو زيادته إلى امتلائه ونقصانه إلى إخفائه، واستولى عطارد على الوسط لقصر وتره وتوسط طباعه بين طبائع الكواكب مرة نحسا ومرة سعداً، ومرة مذكراً ومرة مؤنثاً ومرة نهارياً ومرة ليليّاً ونحوه، لأن بيته الجوزاء على الوسط من العمران، وسامت هذا البيت ما بين مكة والمدينة، فأظهر في هذا الموضع المنطق العجيب وجاء بالحكمة وفتح أبواب العلم من الذكاء والدهاء وخفة الأرواح والحركات، ورقة حواشي الألسن وتوقد القلوب في أشياء يتصل ذكرها بذكر ما دخل من الأرباع في الوسط، فاشتركت فيه طبائع المثلثات وكل ما ولي الكوكبان في المثلث على حيزهما أظهرا فضل الدلالة وإن وليا من المثلثات على غير حيزهما قلب ذلك الفضل، فيكون نقصاناً وفساداً... لزحل والمشتري اللذين هما للمشرق والشمال، فإذا وليا فيما بين المغرب والجنوب كانت دلالتهما فاسدة، وكذلك إذا دبرا قوماً في مغرب الأرض أو دبر المريخ والزهر والقمر بلداّ في المشرق أتت بالدلالة الفاسدة فأعلم.
تم الكتاب الأول من صفة البلاد ومشاركتها والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

.معرفة أطوال مدن العرب المشهورة وعروضها:

طول عدن من المشرق مئة وسبع عشرة درجة، وطلوع الشمس عليها بعد طلوعها على القبة بساعة وأربعة أخماس ساعة وارتفاع القطب الشمالي وانخفاض القطب الجنوبي عليها وهو العرض اثنتا عشرة درجة بالتقريب. طول الجند أزيد من طول عدن بنصف درجة، وعرضها ثلاث عشرة درجة. ظفار وصنعاء في الطول شيء واحد، وطول كل واحدة منهما من المشرق مئة وثماني عشرة درجة تطلع عليهما الشمس بعد طلوعها على القبة بساعة ونصف وخمس وسدس من ساعة، وعرض صنعاء على ما وجده أهلها أربع عشرة درجة ونصف، وعرض ظفار ثلاث عشرة درجة ونصف، وعرض مأرب أربع عشرة درجة وثلثا درجة، وطولها من المشرق مئة وسبع عشرة درجة تطلع الشمس عليها كما تطلع على عدن. وطول صعدة من المشرق مئة وثماني عشرة درجة ونصف تطلع الشمس عليها بعد طلوعها على القبة بساعتين غير عشر، وعرضها خمس عشرة درجة وثلثا درجة.
وطول نجران من المشرق مئة وسبع عشرة درجة وخمسة أسداس درجة تطلع عليها الشمس قبل مطلعها على صعدة نحو من اثنين وعشرين جزءاً ونصف من ساعة، وعرضها ست عشرة درجة. عرض الفلج ثماني عشرة درجة، وطولها مئة وخمسة عشرة درجة ونصف. اليمامة: عرضها عشرون درجة وطولها مئة وخمس عشرة درجة. البحرين عرضها.. وطولها مئة وثلاث عشرة درجة البصرة عرضها إحدى وثلاثون درجة وطولها مئة وسبع درجات. الكوفة عرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثة أرباع وطولها مئة عشرة درجة وربع. وعرض المهجم مثل عرض صنعاء وطولها مثل طول زبيد. وعرض الخصوف مدينة حكم مثل عرض صعدة، وطولها من المشرق مئة وتسع عشرة درجة. وعرض عثر ست عشر درجة وربع، وطولها من المشرق مئة وتسع عشرة درجة وربع. وعرض شبام حضرموت مثل عرض ظفار، وطولها من المشرق مئة وست عشرة درجة. الاسعاء من مهرة وطولها من المشرق مئة واثنتا عشرة درجة، وعرضها ست عشرة درجة ونصف وثلث عشرة. وعرض مكة عن الفزاري ثلاث وعشرون درجة وثلث، وعن حبش إحدى وعشرون درجة وهو أقِّمن، وطولها عن الفزاري مئة وست عشرة درجة من المشرق وعن حبشٍ مئة وعشر وقال بعض أهل صنعاء: مئة وعشرون وهو أحرى. وقال حبش طول المدينة مئة وثماني عشرة، وعرضها درج الميل أربع وعشرون، والفزاري يقول: عرضها ثلاثون إلا كسرا وذلك ما لا يوجد. وقال: إن طول بيت المقدس مئة وسبع وعشرون، وعرضه إحدى وثلاثون درجة وخمسة أسداس درجة. دمشق طولها مئة وأربع وعشرون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة.

.صفة معمور الأرض:

وهو كتاب صفة جزيرة العرب: قال أبو محمد: أما ذكر طبائع سكان جزيرة العرب فقد دخل في ذكر طبائع الكل، وبقي ذكر مساكن هذه الجزيرة ومسالكها ومياهها وجبالها ومراعيها وأوديتها ونسبة كل موضع منها إلى سكانه ومالكه على حد الاختصار وعلى كم تجزأ هذه الجزيرة من جزء بلدي، وفرق عملي، وصقع سلطانيّ، وجانب فلوي، وحيِّز بدوي، ليكون من نظر في هذا الكتاب كأنه مكان ذي القرنين مساح الأرض، وتميم الداري جواب عامرها، وخرِّيت سامرها ومشارف أقصاها وأدناها ليعرف وسيع أرض ربه وكثرة خلقه، وسعة رزقه لا إله إلا الله العزيز الحكيم.

.باب ما جاء عن ابن عباس رحمه الله تعالى في ذكر جزيرة العرب:

أما حديث عبد الله بن عباس في جزيرة العرب فإنه ما نقل لنا عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس من وجه وعن معاوية بن عميرة بن مخوس الكندي أنه سمع عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وسأله رجل عن ولد نزار ابن معد قال: هم أربعة مضر وربيعة وإياد وانمار، فكثر أولاد معد بن عدنان ابن أدد ونموا وتلاحقوا ومنازلهم مكة وما والاها من تهامة وانتشروا فيما يليهم من البلاد وتنافسوا في المنازل والمحال، وأرض العرب يومئذ خاوية وليس فيها بتهامتها ونجدها وحجازها وعروضها كثير أحد لإخراب بخت نصرّ آيها وإجلاء أهلها إلا من كان اعتصم منهم برؤوس الجبال وشعابها ولحق بالمواضع التي لا يقدر عليه فيها أحد منتكبا لمسالك جنوده ومستنّ خيوله فارّا إليها منهم، فاقتسموا الغور غور تهامة بينهم على سبعة أقسام لكل قسم ما يليه من ظواهر الحجاز ونجد وتهائم اليمن لمنازلهم ومجالهم ومسارح إنعامهم ومواشيهم، وبلاد العرب كلها يومئذ على خمسة أقسام في جزيرة مطيفة- أي مديرة، وطوف الجبل دوره ومنه الطواف حول الكعبة وطوائف من الناس فرق من أطراف الناس، ويروي مطيقة من الطوق وهو ما دار بالعنق من هجار فضة وغيره- وهي جزيرة العرب التي صارت في قسم من انطق الله تبارك وتعالى باللسان العربي حين تبلبلت الألسن ببابل في زمان نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح يوم قسم فالح بن عابر بن شالخ بن إرفخشد بن سام بن نوح الأرض بين أولاد نوح عليه السلام سام وحام ويافث.
وإنما سميت بلاد العرب الجزيرة لإحاطة البحار والأنهار بها من أقطارها وأطرارها، وصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر، وذلك أن الفرات القافل الراجع من بلاد الروم يظهر بناحية قنَّسرين ثم انحطَّ على الجزيرة وسواد العراق حتى دفع في البحر من ناحية البصرة والأبلة وامتد إلى عبَّادان وأخذ البحر من ذلك الموضع مغرِّبا ببلاد العرب منعطفاً عليها فأتى منها على سفوان وكاظمة ونفذ إلى القطيف وهجر وأسياف البحرين وقطر وعُمان والشِّحر ومال منه عنق إلى حضرموت وناحية أبين وعدن ودهلك، واستطال ذلك العنق فطعن في تهائم اليمن بلاد فرسان وحكم والأشعريين وعكٍّ ومضى إلى جدة ساحل مكة والجار ساحل المدينة وساحل الطور وخليج أيلة وساحل راية- كورة من كور مصر البحرية- حتى بلغ قلزم مصر وخالط بلادها وأقبل النيل من غربي هذا العنق من أعلى بلاد السودان مستطيلاً معارضاً للبحر معه حتى دفع في بحر مصر والشام- ثم اقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين فمر بعسقلان وسواحلها وأتى على صور ساحل الأردنّ وعلى بيروت وذواتها من سواحل دمشق، ثم نفذ إلى سواحل حمص وسواحل قنَّسرين، حتى خالط الناحية التي أقبل منها الفرات منحطاً على أطراف قنَّسرين والجزيرة إلى سواد العراق. فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التي نزلوا بها، وتدالدوا فيها على خمسة أقسام عند العرب، وفي أشعارها: تهامة، والحجاز، ونجد، والعروض، واليمن، وذلك أن جبل السراة وهو أعظم جبال العرب وأذكرها أقبل من قعرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازاً لأنه حجز بين الغور وهو هابط وبين نجد وهو ظاهر فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعكٍّ وحكم وكنانة وغيرها ودونها إلى ذات عرق والجحفة وما صاقبها، وغار من أرضها- الغور غور تهامة وتهامة تجمع ذلك كله. وصار ما دون ذلك الجبل من شرقيه من صحاري نجد إلى أطراف العراق والسماوة وما يليها نجداً، ونجد تجمع ذلك كله. وصار الجبل نفسه سراته وهو الحجاز، وفي رواية الجر والجرّ سفح الجبل. قال قيس بن الخطيم:
سل المرء عبد الله بالجرِّ هل رأى ** كتائبنا في الحرب كيف مصاعها

وصار ما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحدر إلى ناحية فيد وجبلي طيّءٍ إلى المدينة وراجعاً إلى أرض مذحج من تثليث وما دونها إلى ناحية فيد، حجاز، فالعرب تسميه نجداً وجلساً وحجازاً والحجاز يجمع ذلك كله. وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاها العروض وفيها نجد وغور لقربها من البحار وانخفاض مواضع منها، ومسايل أودية فيها والعروض يجمع ذلك كله. وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء وما والاها إلى حضرموت والشِّحر وعُمان وما يليها اليمن، وفيها التهائم والنجد واليمن تجمع ذلك كله. قال أبو محمد: وتأييد ذلك في جميع اليمن لهذه المواضع كتب العهود من الخلائف لولاة صنعاء اليمن ومخاليفها وعكّ وعُمان وحضرموت يريد بعك أرض تهامة، وكان سعيد بن المسّيب يقول: إن الله تبارك وتعالى لما خلق الأرض مادت بأهلها، فضربها بهذا الجبل، يعني السراة، ومبدؤه من اليمن حتى بلغ الشام فقطعته الأودية حتى انتهى إلى نخلة فكان منها حيص ويسوم ويسميان يسومين، كما يقال القمران في الشمس والقمر والعمران في أبي بكر وعمر قال الراجز:
يا ناق سيري قد بدا يسومان ** فاطويهما تبد قنان غزوان

غزوان جبل عرفة العالي، ثم طلعت الجبال بعد منه وكان منها الأبيض جبل العرج وقدس وآرة والأشعر والأجرد وهذه جبال ما بين مكة والمدينة عن يمين الخارج من مكة إلى المدينة ويسار الصادر إلى مكة وقد ذكرت العرب الحجاز والجلس وتهامة ونجد في أشعار كثيرة وكل ذلك يصدق ما وصفنا. قال عمرو براق الثُّمالي من الأزد:
أروى تهامة ثم أصبح جالساً ** بشعوف بين الشَّت والطُّباق

وقد يقال فيه ابن برّاقة وإنما عمرو بن براقة من همدان ثم من نهم وكان شاعراً شجاعاً وهو القائل في كلمته الميمية:
وكنت إذا قومٌ غزوتي غزوتهم ** فهل أنا في ذا يال همدان ظالم

متى تجمع القلب الذكي وصارما ** وأنفا حميّاً تجتنبك المظالم

وقالت ليلى بنت الحارث الكنانية:
ألا منعت ثمالة ما يليها ** فغوراً بعد أو جلساً ثمالا

وقال أميَّة بن أبي عائذ الهذلي:
هذيل حموا قلب الحجاز وإنما ** حجاز هذيل يفرع الناس من عل

وقال لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلابٍ:
مرِّية حلَّت بفيد وجاورت ** أهل الحجاز فأين منك مرامها

وقال هبيرة بن عمرو بن جرثومة النهدي:
وكندة تهذي بالوعيد ومذحج ** وشهران من أهل الحجاز وواهب

شهران في سراة بيشة وترج وتبالة فيما بين جرش وأول سراه الأزد، وقال بعض بني مرة بن عوف في أيام عبد الملك بن مروان:
أقمنا على عز الحجاز وأنتم ** بمنبطح البطحاء بين الأخاشب

وعلى شريح بن الأحوص:
أعزُّك بالحجاز وإن تقصَّ ** تجدني من أعزّة أهل نجد

وقال طرفة بن العبد وذكر مقتل عمرو بن مامة يوم قضيب:
ولكن دعا من قيس عيلان عصبةً ** يسوقون في أرض الحجاز البرابرا

البرابر ههنا الغنم، ويروى: يسوقون في أعلى الحجاز البرائر، والبرائر ههنا جمع برير وهو ثمر الأرك، وساف اشتم برائر بأعلى ** رنيِّة وتربة بين ديار بني بني هلال

وقال المخبل السعدي:
فإن تمنع سهول الأرض مني ** فإني سالك سبل العروض

وقال جرير بن عطية بن الخطفى:
هوى بتهامة وهوى بنجد ** فيلتئم التهائم والنّجود

وذات عرقٍ فصل ما بين تهامة ونجد والحجاز وفيها يقول الشاعر:
كأن المطايا لم تنخ بتهامةٍ ** إذا صعدت من ذات عرق صدورها

وقال آخر من أهل ذات عرق:
ونحن بسهبٍ مشرفٍ غير منجد ** ولامتهمٍ فالعين بالدمع تشرق

.معرفة تفصيل هذه الجزيرة عند أهل اليمن:

هي عند أهل اليمن يمن وشام فجنوبها اليمن وشمالها الشام ونجد وتهامة، فالنجد ما أنجد منها عن السَّراة، وظهر من رؤوسها ذاهباً إلى المشرق في استواء دون ما ينحدر إلى العروض، وحجاز وهو ما حجز بين اليمن والشام، وسراة هو ما استوسق واستطال في الأرض من جبال هذه الجزيرة مشبَّهاً بسراة الأديم، وعروض وهو ما أعرض عن هذه المواضع شرقاً إلى حيز شمال المشرق، وعراق وشحر، فالعراق ما حاذى المياه العذبة والبحر من الأرض مأخوذ من عراقي الدلو، والشَّحر مأخوذ من شحر الأرض وهو سبخ الأرض ومنابت الحموض وسنفصل صفة كل شق من هذه البلدان المنفردة بأسمائها، فما كل منها من بلد ضيق استوعبنا ما فيه مثل العروض ونجران، وما كان من بلد واسع تزيد أقل أجزائه على أكثر العروض فإنا نصفه صفة عامة متجاوزة ولا نسع غير ذلك لسعة البلاد وكثرة المساكن.